دراسة ثانية للحريات الأكاديمية في الجامعات الأردنية توصي بمنح الجامعات الاستقلال المالي والاداري الحقيقي والاستقلال في اختيار القيادات

تم أمس اطلاق دراسة الحريات الاكاديمية في الجامعات الاردنية التي اجراها المركز الوطني لحقوق الانسان و مركز عمان لحقوق الانسان بدعم من مؤسسة راؤول ولنبيرغ لحقوق الانسان والقانون الانساني.
وفي حفل الاطلاق أشار المفوض العام للمركز الوطني الدكتور محيي الدين توق الى ان هذه الدراسة هي جزء من الفعاليات التي نصت عليها الخطة الاستراتيجية للمركز ، معلنا ان المركز سيبدأ في الاسابيع القادمة بدراسة التعليم المدرسي في الأردن من منظور حقوق الانسان
وبين مدير مركز عمان الدكتور نظام عساف أن الثقافة العلمية المعاصرة بنيت على ديمقراطية التعليم، بشكل رئيسي. وشكلت الحرية الأكاديمية أهم ركيزة من ركائزها، فقدمت لعالمنا ما قدمته وتقدمه من النتاجات المعرفية، التي يفترض بها أن تسخر لخدمة الإنسان أولاً وأخيراً. وهذه الحرية الأكاديمية تتطلب أولاً الحماية الناجعة من تأثير القوى التي تهدد موضوعية البحث، وتتطلب ثانياً توفير سبل الدخول إلى الأدوات والمصادر والوسائل المعرفية، واستخدامها. وبذلك فقط، تتحول العملية الأكاديمية إلى واقع ملموس، وليس إلى تجريد، احتراماً للضمير الإنساني والعلمي، واحتراماً لحقوق الإنسان والمعرفة.
وهدفت هذه الدراسة إلى قياس واقع ممارسة الحريات الاكاديمة من جانب الهيئة التدريسية في الجامعات الاردنية الرسمية ممثلة بالجامعة الاردنية وجامعة اليرموك وجامعة مؤته، كما هدفت إلى التعرف على العوامل التي تؤثر على واقع هذه الحريات والعلل الكامنة ورائها من خلال منظور حقوق الانسان، بالاضافة الى معرفة وتحليل أثر متغيرات: الجنس، والتخصص العلمي، ونوع الكلية، وطول سنوات الخبرة العلمية والعملية، والدرجة العلمية، وتولي المهام الادارية داخل الجامعة، ونوع عقد العمل على توجهات عينة الدراسة.
وبينت الدراسة ان نصوص الاطار القانوني الاردني الناظم لعمل الجامعات الاردنية لم يتطرق لموضوع الحريات الأكاديمية، التي يتعين
على الجامعات أو مؤسسات التعليم العالي كفالتها وضمانها، وكل ما أورده في هذا الصدد لا يتجاوز عبارات عامة ضمن أهداف التعليم العالي حول ضرورة رعاية النهج الديمقراطي وتعزيزه بما يضمن حرية العمل الأكاديمي وحق التعبير واحترام الرأي الآخر وتوفير البيئة الأكاديمية والبحثية والنفسية والاجتماعية الداعمة للإبداع والتميز. كما ان هذا الاطار توسع في منح الصلاحيات والسلطات للحكومة ممثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إطار الرقابة والأشراف على الجامعات وتنظيم شؤون الإيفاد والأشراف عليه وتقديم القروض والمنح للطلبة وغيرها من المهام والصلاحيات الأخرى التي تخل من استقلالية الجامعات؛ كتعيين رؤوساء الجامعات الحكومية وأعضاء مجالس أمنائها.
وقد تقاطعت نتائج الدراسة الميدانية مع نتائج تحليل الاطار القانوني الناظم لعمل الجامعات الاردنية في بيان العوامل التي تحد من ممارسة اعضاء الهيئة التدريسية للحريات الاكاديمية اثناء عملهم، كما بينت أن مستوى الحريات الأكاديمية لعينة الدراسة يقع ضمن الفترة المتوسطة من حيث الاهمية النسبية. وقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من الاستنتاجات، أهمها أن عينة الدراسة كانت على درجة عالية من الإدراك لمفهوم الحريات الاكاديمية وحرية الافراد الاكاديميين، وقدمت عدداً من التوصيات منها: تغيير نمط التعيينات الإدارية بحيث يتم من خلال لجان وطنية تقوم بالإعلان عن هذه الوظائف لجميع الأساتذة ودراسة طلبات جميع المتقدمين بصورة موضوعية لاختيار أكثرهم علما وكفاءة وقدرة على الانجاز والإبداع، ومنح الجامعات الاستقلال المالي والإداري الحقيقي وفي اختيار القيادات داخل المؤسسة وممارسة الحوار العلمي وإتباع الوسائل العادلة من أجل الحصول على العوائد المالية اللازمة لاداء عملها، وتعزيز حق أساتذة الجامعات الذين يشتغلون بالمعرفة العلمية إنتاجا ونقدا وتطويرا وتنويرا من خلال رفع مستوى وعيهم ووعي الجهات الرسمية والمجتمع بشكل عام بالحريات الاكاديمية وعدم رهنها بأيدي افراد او اداريين او اي جهة اخرى، والتأكيد على أهمية إعطاء الإدارة الجامعية حرية التصرف في اتخاذ ما تراه من قرارات ملائمة تتعلق بوظائفها، إذا ما أريد لها أن تكون ناجحة وفعالة في أدائها لأهدافها، وأن لا تشكل القيود المفروضة عليها أي عائق أمام الحرية الأكاديمية ما لم تعارض فلسفة المجتمع وقيمه، وقيام الجهات الرسمية بتوسيع اختصاصات الجامعات واحترام استقلاليتها وتعزيز ماليتها على أن تكون لها قوة نقابية ترعى مصالح الجامعات وتحسن التفاوض مع الحكومة، و مواءمة التشريعات الناظمة لعمل الجامعات مع المعايير الخاصة بالحريات الاكاديمية والمعايير الدولية لحقوق الانسان، و إنشاء جمعيات أو اتحادات أو نقابات في كل جامعة وعلى مستوى الاردن ككل، بحيث تتمثل مهمتها في حماية الحريات الأكاديمية ، ومحاسبة من يتعمد الإخلال بمبادئها ، و إجراء المزيد من الدراسات التي تبين الحرية الأكاديمية لأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الاردنية الخاصة بما في ذلك الدراسات المقارنة بين الجامعات الرسمية والجامعات الخاصة.
و يذكر أن مركز عمان اعتمد منذ عام 2004 برنامجاً يستهدف مراقبة ودراسة القضايا ذات العلاقة في الحرية الأكاديمية في الجامعات الأردنية والعربية، موضحا أن تنفيذ هذا البرنامج تم من خلال ثلاث اتجاهات عمل أساسية وهي: تنظيم حوارات علمية حول قضايا الحرية الأكاديمية في المؤتمرات والندوات المتخصصة، ونشر الدراسات والأبحاث التي تعد من قبل الباحثين بما فيهم أعضاء المجلس العلمي للمركز والمتعاونين معه، وإضافةً إلى إنشاء موقع إلكتروني متخصص بقضايا الحرية الأكاديمية في الأردن وفي العالم العربي، إضافةً إلى تأسيس إطار عربي يعنى بالحرية الأكاديمية وهو الجمعية العربية للحريات الاكاديمية ومقرها عمان.
كما قام المركز بتنظيم المؤتمر الأول للحريات الأكاديمية في الجامعات العربية عام 2004، ومن ثم نظم المركز بالتعاون مع رابطة التدريسيين العراقيين مؤتمراً خاصاً بالحريات الأكاديمية في الجامعات العراقية عام 2006، كما عقد المركز ندوة خاصة بالحريات الأكاديمية في الأردن في عام 2007، وانجز دراسة عن الحريات الاكاديمية في الجامعات الاردنية عام 2007، وعقد المؤتمر الثالث حول الحريات الاكاديمية في الجامعات العربية عام 2008 ، وتم على هامشه عقد المؤتمر الاول للجمعية العربية للحريات الاكاديمية وانتخاب مجلس اداره لها ، كما نظم المركز مسابقة بحثية للباحثين الشباب حول الحريات الاكاديمية في الجامعات الاردنية عام 2009، وعقد ورشة عمل عن الحريات الاكاديمية في الجامعات العربية عام 2010 اقرت فيه الخطة الاستراتيجية للجمعية العربية للحريات الاكاديمية.
كما أصدر المركز خلال الأعوام الماضية اربعة كتب متخصصة في قضايا الحريات الأكاديمية إضافةً إلى إعداد دراسة عن الحريات الأكاديمية في الجامعات الأردنية.