الجولة الأولى للانتخابات النيابية في مصر عودة إلى نظام الحزب الواحد
لم تأت نتائج الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب في 28 نوفمبر/تشرين ثان باستئثار الحزب الحاكم بـ 217 مقعدا من 225 مقعدا، مفاجئة حيث جرت في سياق ترتيبات تشريعية وأمنية وسياسية وإدارية لا تفضي إلا لمثلها، حيث أجريت في ظل قانون الطوارئ، وانحياز لنظام الانتخاب الفردي الذي عارضته التيارات السياسية الأخرى، وبدلت الرقابة القضائية بلجنة عليا للانتخابات لم يتح لها الوقت لاكتساب الخبرة، أو الإمكانيات الفنية لإدارة الانتخاب على نحو مستقل، وتم اختيار قضاة اللجنة العامة دون الرجوع للمجلس الأعلى للقضاء.
وقد أسفرت نتائج الجولة الأولى عن احتكار الحزب الوطني الحاكم للتمثيل الحزبي في البرلمان عدا خمسة مقاعد، حاز حزب الوفد على اثنين منها، وتوزعت الثلاثة الأخرى بين أحزاب التجمع والغد والعدالة الاجتماعية، وأقصت تيارين سياسيين رئيسيين: هما التيار الإسلامي والقومي، ولم تُسد الثغرة المتعلقة بتمثيل الأقباط، وجيرت جميع مقاعد المرأة لصالح الحزب الوطني الحاكم، بما يهدد التعددية السياسية التي ناضل المجتمع المصري من أجل ترسيخها زمنا طويلاً. ولا يبدو أن هناك مجالا لتصحيح هذه الاختلالات الجسيمة في انتخابات الإعادة حيث ينافس الحزب الوطني نفسه في معظم دوائرها.
كما تأسف المنظمة لنسبة إقبال الناخبين على الاقتراع، والتي تراوحت بين 35% في أقصى حالاتها وفق النتائج الرسمية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات، وما لا يزيد على 15% وفق تقديرات المراقبين. وهو ما يكشف عن نقص ثقة الناخبين بجدوى المشاركة.
وتلاحظ المنظمة بأسف شديد تجاهل اللجنة العليا للانتخابات العديد من الأحكام القضائية الصادرة من محاكم مجلس الدولة لصالح بعض المرشحين بشأن عدم قبول ترشيحهم لانتخابات مجلس الشعب، أو تلك الصادرة بعدم قبول أوراق مرشحين آخرين أو تعديل الصفة التي تقدم بها المرشح، أو وقف الانتخابات لبعض المطاعن الجوهرية، إذ اقتصر تنفيذ اللجنة للأحكام القضائية على15 حكماً من بين نحو 1300 حكماً بينهم نحو 300 حكماً نهائياً
ولا يجوز الاعتداد بتبرير اللجنة العليا للانتخابات بعدم تنفيذها لهذه الأحكام بحجة “وجود موانع قانونية تحول دون تنفيذها”، أو إحالتها للجهات المختصة لتنفيذها وبالطريقة التي ترى الجهة المختصة اتخاذها لإنفاذ هذه الأحكام بالنظر لحجية هذه الأحكام وقوتها القانونية والدستورية.
الانتهاكات الرئيسية التي نالت من نزاهة عملية التصويت
الرقابة على الانتخابات
بينما رفضت الحكومة منذ البداية مطالب الرقابة من المجتمع المدني الدولي على الانتخابات، فقد عرقل رؤساء اللجان ورجال الشرطة مهام مراقبي منظمات المجتمع المدني ولم يسمح لهم بحرية الوصول للجان الانتخابية في العديد من دوائر القاهرة والجيزة والأسكندرية والغربية والدقهلية وكفر الشيخ ودمياط والمنوفية والقليوبية والشرقية والسويس، وعرقلت اللجنة العليا للانتخابات دور المجتمع المدني في رقابتها حيث منحت التراخيص اللازمة بمراقبة الانتخابات فى وقت متأخر جداً أفضى عملياً لعدم تمكن المنظمات من توزيع ونشر مراقبيها على العديد من اللجان الفرعية التي يزيد عددها على 44 ألف لجنة.
منع مندوبي المرشحين من دخول المقار الانتخابية
كذلك لاحظت المنظمة بشكل بقلق بالغ منع وطرد المئات من مندوبي المرشحين الذين أوجب القانون حضورهم العملية الانتخابية بالرغم من حصولهم على التوكيلات اللازمة لحضور التصويت أو الفرز، وباستثناء مندوبي مرشحي الحزب الوطني أو المرشحين المستقلين الذين رشحهم، مُنع مندوبي مرشحي الأحزاب والإخوان المسلمين من دخول المقار الانتخابية كلها أو بعضها. كما لاحظت طرد مندوبي المترشحات على مقاعد المرأة في اللجان المخصصة للسيدات على نطاق أوسع. وفى حالات متكررة رفضت الشرطة دخول مندوبي المرشحين ممن يحملون توكيلات موثقة بحجة عدم اعتمادها وفق إجراءات لم يتطلبها القانون.
عدم إجراء التصويت وفق قواعد متكافئة
وعمدت السلطات إلى إجراء التصويت بقواعد تمييزية، حيث أغلقت لجان أو أوقف التصويت فيها لبضع ساعات أمام الناخبين لعرقلة منافسي الحزب الوطني عن الإدلاء بأصواتهم. واستخدام مرشحي الحزب الحاكم وبعض المستقلين الموارد المملوكة للدولة أو القطاع العام في تسهيل حشد أنصارهم للجان الاقتراع، وكذا انتهاك سرية التصويت في بعض اللجان.
وكذلك استخدام العديد من المرشحين الرشاوى لشراء أصوات الناخبين والتي أخذت أشكالاً متعددة، وتورط بعض موظفي اللجان الانتخابية في عرض تسويد بطاقات الرأي لصالح مرشحين مقابل رشى.
التدخل المباشر
أخذت الشكاوى المتعلقة بالتدخل المباشر فى الاقتراع أشكالا متعددة عبرت عنها شكاوى مرشحين، وناخبين، وقضاة، وتقارير مراقبي منظمات المجتمع المدني وتقارير إعلامية. وتضمنت منع بعض الناخبين من دخول اللجان من قبل قوات الأمن، وقيام أنصار بعض المرشحين بمنع الناخبين من دخول اللجان، وتسويد بطاقات الاقتراع في بعض الصناديق لصالح مرشحين معينين، وحرق صناديق اقتراع لطمس النتائج واعتقال أحد المرشحين لبعض الوقت والاعتداء على آخر.
ومن النماذج البارزة التي تم توثيقها، بلاغ القاضي “وليد الشافعي” المشرف على الانتخابات بالبدرشين (رئيس محكمة استئناف القاهرة) عن ضبطه رؤساء لجان الانتخابات بمدرسة “البدرشين الإعدادية بنين” خلال تزويرهم الانتخابات. ونتائج انتخابات دائرة حلوان التي تظهر اختلافا بنحو 5 ألاف صوت تحدث تغيرا في النتائج، وهى موضع طعن من المرشح “مصطفى بكري” للجنة الانتخابات، وواقعة حرق صناديق الانتخابات في إحدى دوائر كفر الشيخ أفضت إلى إلغاء الانتخابات في هذه الدائرة، وتتداول شبكة المعلومات الدولية أفلاما لموظفين في بعض الدوائر يقومون بتسويد البطاقات.
وتأسف المنظمة لعدم تدخل اللجنة لحماية القضاة الذين أشرفوا على اللجان العامة من تعرضهم لضغوط شديدة من خارج القضاء للتغاضي عن عمليات التزوير التي شهدتها عمليات الفرز. في ضوء هيمنة الحكومة على مجريات العملية الانتخابية، وفق ما صرح به نائب رئيس محكمة النقض.
أعمال العنف
شهدت العملية الانتخابية أعمال عنف و”بلطجة” واسعة النطاق امتدت لعدد كبير من المحافظات ( القاهرة – دمياط – المنوفية – الدقهلية – سوهاج – أسيوط – الغربية – قنا – الإسماعيلية- بني سويف – الفيوم- كفر الشيخ – الأسكندرية)، ووقعت أعمال العنف بين قوات الأمن والناخبين وأنصار مرشحين، وخاصة مرشحي الإخوان المسلمين. وأسفرت عن العديد من الإصابات وحالات الاختناق جراء استخدام القنابل المسيلة للدموع، كما جرت أعمال عنف بين أنصار المرشحين وبعضهم البعض. وشملت أعمال قتل وجرح وخطف وحرق.
وبلغ عدد الوفيات خلال العملية الانتخابية 7 أشخاص، من بينهم اثنان أفادت مصادر رسمية إلى أن وفاتهم طبيعية، بينما قُتل كل من عمرو سيد” نجل المرشح المستقل على مقعد العمال بدائرة عين شمس والمطرية، و “أبو المعارف جاد الرب” بعد إصابته بطعنات غائرة أثناء مشاجرة بين أنصار مرشحين بدائرة دشنا، و”حمدي أنس” أحد أنصار مرشح الإخوان بأسيوط أثر إطلاق أعيرة نارية من قبل أنصار مرشح الحزب الوطني، “وحسين أبو جرعي” بالشيخ زويد من قبيلة الريشات والذي أصيب بطلق ناري من أنصار أحد المرشحين. كما قتل شخص آخر أثناء تظاهر احتجاجية على نتائج الانتخابات في المنيا.
وقد أسفرت أعمال الشغب عن اعتقال المئات من الذين نُسبت إليهم أعمال الشغب، وقرر النائب العام حبس 92 شخصا بتهم إثارة العنف والشغب في عدة محافظات بعد البدء في إعلان النتائج الجزئية للانتخابات.
قمع الإعلام
وامتدت أعمال القمع إلى الصحفيين والإعلاميين والمدونين. ورصد مراقبو الانتخابات القبض على صحفيين وخطف صحفيين آخرين والاستيلاء على الكاميرات الخاصة بهم، واحتجاز مراسلين لمواقع إلكترونية، وحجب عدد من المواقع الالكترونية التي تقوم بتغطية مجريات العملية الانتخابية.
كما جري الاعتداء على العديد من الصحفيين والإعلاميين ومراسلي القنوات الفضائية المستقلة، واتهم الحزب الوطني ثلاث فضائيات هي الحرة والجزيرة وبي بي سي العربية بعدم الحيدة المهنية واتهم الأخيرة على وجه الخصوص بنشر أخبار كاذبة ثبت صحتها.
والمنظمة إذ تعرب عن أسفها الشديد للعوار الذي افسد عملية الانتخاب، وأضاع فرصة ذهبية لتعزيز التعددية الحزبية وتنشيط الحياة السياسية، والنتائج التي قوضت التعددية السياسية، فإنها تطالب اللجنة العليا للانتخابات والسلطة التنفيذية بالعمل على اتخاذ إجراءات جدية لإعادة الاعتبار لمعايير الحرية والنزاهة في جولة الإعادة، كما تطالب النائب العام بالتحقيق في الانتهاكات التي نالت من حرية ونزاهة انتخابات الجولة الأولى.
هذا وتعد المنظمة تقريراً منفصلاً عن الانتخابات سيتم إصداره عقب إعلان نتائج جولة الإعادة.