أدلة جديدة تثير القلق على وحشية قوات الأمن التونسية


كشفت منظمة العفو الدولية النقاب اليوم عن أدلة جديدة مثيرة للقلق على الأساليب الوحشية التي استخدمتها قوات الأمن التونسية في مسعى منها لقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في الأسابيع الأخيرة.
حيث وجد فريق أبحاث لمنظمة العفو الدولية عاد للتو من تونس أن قوات الأمن قد استخدمت القوة غير المتناسبة لتفريق المحتجين، وفي بعض الحالات استعملت الرصاص الحي ضد المحتجين الهاربين والمارة.
وتظهر شهادات الأطباء الذين قابلهم فريق التقصي التابع لمنظمة العفو الدولية أن النار قد أطلقت على بعض المحتجين في القصرين وتالا من الخلف، ما يشير إلى أنهم كانوا في حالة هروب من المواجهة. وقتل آخرون في القصرين وتالا وتونس العاصمة والرقاب بطلقة واحدة في الصدر أو الرأس، بما يشير إلى إطلاق الرصاص بقصد القتل.
وتعليقاً على ما اتضح من شواهد مثيرة للقلق، قالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن هذه الأدلة التي تبعث على الصدمة تؤكد أن قوات الأمن التونسية قد استخدمت أساليب مميتة لقمع السخط وردع المحتجين”.
“وتعكس حقيقة أن بعض من قتلوا كانوا بوضوح في حالة هرب، الازدراء الصارخ لحياة البشر. ويتعين أن يغدو ضمان السلطات شكْم من هم تحت إمرتها، وإظهار هؤلاء الاحترام للسلامة العامة أولى الأوليات لدى هذه السلطات.”
وقد تبين لفريق الأبحاث أنه بينما كان بعض المحتجين يلجأ إلى العنف، استخدمت قوات الأمن القوة غير المتناسبة لتفريق المحتجين ولجأت إلى القوة المميتة دون أن تكون هناك ضرورة قاطعة لذلك. وقد استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والذخيرة الحية على نطاق واسع، حتى ضد المحتجين السلميين، الذين كانت تطاردهم وتنهال عليهم بالهراوات.
وأبلغ شهود عيان منظمة العفو الدولية أن من غير المحتمل أن يكون بعض من قتلوا قد شكلوا تهديداً لحياة أفراد قوات الأمن. وآخرين لم يكونوا حتى في صفوف مظاهرات الاحتجاج.
فقد أصيبت منال بوعلاقي، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 26 سنة، في صدرها مساء 9 يناير/كانون الثاني في مدينة الرقاب، بوسط تونس، وهي عائدة إلى بيتها من زيارة إلى والدتها. وأبلغ طبيب قام بفحصها منظمة العفو الدولية أن زاوية إطلاق الرصاصة التي أظهرتها الجروح الناجمة عن الإصابة تشير إلى أن مصدرها كان قناصاً أطلق الرصاص من مبنى قريب.
وأبدت شادية، والدة منال، تصميماً قاطعاً على أن ترى العدالة تتحقق: “لقد فقدت ابنة، وقد أصبح حفيداي يتيمين. وأريد أن أرى الأشخاص المسؤولين عن قتل منال يواجهون عدالة حقيقية عما ارتكبته أيديهم “.
وقد وجدت منظمة العفو أدلة على أن العديد من الأشخاص الذين قبض عليهم بالعلاقة مع الاضطرابات قد تعرضوا للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة السيئة في الحجز. إذ تعرض معتقلون للضرب بالهراوات أو للركل، بينما أجبر آخرون على أن يركعوا في مواجهة الحائط لساعات.
وأبلغ شاب، يبلغ من العمر 21 سنة وطلب من المنظمة عدم ذكر اسمه، منظمة العفو أنه وعقب القبض عليه في تونس العاصمة في 14 يناير/كانون الثاني، احتجز في وزارة الداخلية مع 30 شخصاً آخر، بمن فيهم عشر نساء في مقتبل العمر.
وقال لباحثة منظمة العفو الدولية إن قوات الأمن قامت بضربه بالهراوات على جميع أنحاء جسمه. وعندما أفرج عنه في نهاية المطاف دون تهمة، حُذِّر بأن لا يعود إلى المشاركة في أي احتجاجات جديدة. وكان الرئيس السابق، بن علي، في هذا الوقت قد غادر البلاد.
إن منظمة العفو الدولية قد رحبت بإعلان الحكومة الانتقالية عن تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي اقترفتها قوات الأمن في الأسابيع الأخيرة.
ولكنها دعت أيضاً في وثيقة بعنوان “تونس: أجندة حقوق الإنسان للتغيير” أصدرتها هذا الأسبوع إلى أن تتخذ السلطات تدابير عاجلة وطويلة الأجل، بما في ذلك إعادة الهيكلة الجذرية لأجهزة القمع الأمنية والنظام القضائي للبلاد.
ومضت حسيبة حاج صحراوي إلى القول: “يتعين أن تُفتح أمام عائلات من قتلوا أبواب العدالة، ولا يمكن لهذا أن يتحقق إلا بمباشرة تحقيق يتمتع بسلطة إجبار الموظفين الرسميين على الإدلاء بإفاداتهم”.
“وفي هذه الأثناء، ينبغي وقف أي مسؤول يشتبه، إلى حد معقول، بأنه قد ارتكب انتهاكات لحقوق الإنسان عن ممارسة واجباته. وينبغي أن يرى التونسيون أن ثقافة انتهاك كرامة الناس قد غدت شأناً من شؤون الماضي.”
زار وفد من منظمة العفو الدولية تونس ما بين 14 و22 يناير/كانون الثاني، والتقى بعائلات أشخاص قتلوا أثناء الاضطرابات وبأفراد أصيبوا أثناء الاحتجاجات، وبشهود عيان آخرين، وبمعتقلين سابقين، وكذلك بمحامين ومدافعين عن حقوق الإنسان ونقابيين وعاملين في المهن الطبية. وسافر باحثو منظمة العفو إلى الحمامات وبنـزرت والرقاب وتالا والقصرين.
وقد وقعت أغلبية الحالات التي وثقها هذا التقرير ما بين 8 و13 يناير/كانون الثاني. وسيتم إصدار التقرير الكامل للبعثة مفصلاً في فبراير/شباط.