احتجاجات ….. نسوية مرتقبة
لقد طالت الحراكات الشعبية كافة فئات ومكونات المجتمع الأردني ولم تؤخذ مطالبات النساء بعين الاعتبار والجدية كالتي تؤخذ بها باقي الاستحقاقات ، وهذا ليس بغريب على مجتمعنا الأردني الذي لا يرى في هذه المطالبات سوى الخروج عن منظومة القيم والتقاليد ، لذلك يتوجب على الأصوات النسائية الناشطة والمطالبة بالمساواة بأن تتحول الى حركات احتجاجية وتنضم الى الحراكات الشبابية المطالبة بالاصلاح ، فحتى الآن لم يدرك صانعوا القرار خطورة انتهاك حقوق النساء وتأثير ذلك على المجتمع إلا إذا سلمنا جدلاً إنهم يغضون الطرف كون النساء بنظرهم الجزء الأضعف من مكونات المجتمع الأردني، وما زلنا نرى أن مجتمعاتنا تتعامل معه هذه القضايا وكأنها مسائل قابلة للتأجيل وتضعها جانباً مؤجلة الى اشعار آخر ، قضايا النساء ليست بعيدة عن كل هذا الحراك الذي نما وترعرع فيما أصبح يسمى “ربيع العالم العربي” فلماذا يريد البعض من صانعي القرار أن تبقى النساء تعاني تحت لهيب شمس صيف حارقة وكأنها تحارب سرابا سوف لن يكتب له ان يرى النور في مطالب محقة ومشروعة .ألم يحن الوقت بعد للنظر الى نصف المجتمع إنه موجود فعلاً على الأرض وليس حبراً على ورق مهمل في ادراج صانعي سياسات وتوجهات البلاد أم أن الأمر بات ملحاً لتحويل بعض العقول الى لجان مكافحة التخلف أسوة بلجان مكافحة الفساد.
ينبغي أولا ، ايلاء القوانين والتشريعات الخاصة بالمرأة الأهمية القصوى وتعديلها من أجل صناعة أرضية صلبة تخرج منها المرأة الأردنية من فلك الدور الذي فرضه عليها المجتمع لتكون جنبا الى جنب مع الرجل وشريكة حقيقية له ، لهم نفس الحقوق وعليهم بالمقدار ذاته نفس الواجبات ، ويأتي في مقدمة مطالباتنا الملحة اليوم اعطاء الجنسية لأبناء الأردنية المتزوجة من غير أردني.
و يجب ثانيا استكمال موائمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية ورفع التحفظات الكاملة عن بنودها كما أن التعديلات يجب أن تتم بشكل متواز ، كحزمة واحدة غير قابلة للتجزئة ، فتعديل قانون العمل الذي يفترض فيه أن يحقق انخراط أعلى للمرأة في سوق العمل ، هو اجراء ايجابي ، لكن منظومة القوانين الاخرى كالأحوال الشخصية ، لم تساعد المرأة الأردنية على تحقيق التوازن بين دورها الانجابي ودورها الانتاجي ، ولم يحقق التعديل الهدف الذي حدث من أجله ، وهذا متوقع في مجتمع مازالت تركيبته الثقافية تؤثر على وضع المرأة حيث ما زال العرف فيه أقوى من القانون ، والمرأة هي التي تدفع ثمن سيادة هذا العرف.
ما نحتاج اليه هو عمل دؤوب منظم ، يهدف الى الحد من أثر بعض القيم والمبادىء التي أصبحت بمثابة قوانين تحكم العلاقات الانسانية في بلداننا ، وتؤثر على المرأة بشكل مضاعف عن تأثيرها على الرجل ، فعداك عن ضيق مساحة الحريات في مجتمعنا للرجال والنساء والتي تقلصت بفعل فاعل ، من حرية سقفها السماء الى حرية وؤدت في المهد ، تبقى المرأة على هذا الحال يراوح وضعها بين الإسكات والتسكيت في محاولة لإبقائها خارج دائرة الفعل وردوده المجتمعية.
كما وبنظره قريبة لتفاصيل بعض قوانينا وتشريعاتنا ، يمكننا أن نرى كيف أنها تدفع بالمرأة الأردنية باتجاه الاستغناء التام عن دورها المجتمعي ، وعن مكانها في المجال العام ، من خلال الاعباء المترتبة والمتزايدة عليها كزوجة وربة أسرة ، وحيث أن دور الدولة غائب عن رعاية متطلبات واحتياجات المرأة الأردنية ، فان أكثر ما تسعى اليه هو الزواج والانجاب وبالتالي التفرغ لهذا الجانب – الذي لا نقلل من أهميته- لكنه يبقى ضمن منظور العمل غير المنتج ولا يدخل حسابه في معدل الدخل القومي ولا يتعدى كونه مسؤلية من طرف واحد تزداد من خلاله هموم واعباء النساء في مجمل دورة حياتهن، وأكثر من ذلك يصبح دور ملزم للمرأه توضع ضمن اطاره وتقيم من خلاله لتبقى تدور في حلقة مفرغة من الإلتزامات المتزايدة التي تولد بعض من اشكال العنف والتبعية يبقى المسكوت فيها ومن خلالها أكبر بكثير من ذاك الذي نستطيع البوح به.
أما في اطار محاولات تحقيق الشراكة بين الشريكين داخل مؤسسة الزواج لاحداث توازن ما، فنحن نواجه الكثير من المصاعب تتركز في أغلبها على ذكورية مجتمع ترفض قيمه فكرة أن يقوم الشريك بدور مساعد داخل مؤسسة الزواج ، حتى لو كانت المرأة عاملة ، فهو ينتهي دوره بمجرد وصوله الى بيت الزوجية ، بينما تبدأ المرأة بدور آخر ومهمة أخرى داخل هذه المؤسسة.
أما مشاركة المرأة في الحقل السياسي ، فقد بات واضحا أن الجهود المبذولة من قبل مؤسسات المجتمع المدني ، من أجل اقناع المرأة والمجتمع بضرورة وأهمية المشاركة في التصويت والترشيح وحتى في الانضمام للأحزاب السياسية ،قد فشلت في تحقيق تقدما ملحوظا حيث ان هذه المؤسسات عينها تعاني من ضعف في سعيها لتحقيق تقدم ملموس هذا عدى عن قصور برامجها في تمكين حقيقي للنساء وعدم اختلاف بنيتها وقياداتها عن ما هو سائد من افتقار لأجواء الديمقراطية والمحاسبة والشفافية وتداول السلطة فيها ، وفي الغالب يتم الإكتفاء بما تمن علينا به الحكومة من تمثيل ومشاركة المرأة المحدودة بما يخدم صورتنا أمام المجتمع الدولي فقط وهي صورة خادعة ، لأن الحقيقة أنه مازال التمثيل والمشاركة في الشأن السياسي للمرأة الأردنية ، خجولا ومستهدفا، خجولا لأن ثقافة المجتمع تستهين بقدرة النساء على الادارة والقيادة والتأثير ، ومستهدفا لأن الاعلام يركز كل طاقاته على اظهار المرأة بأنها ضعيفة الأداء وغير كفء لهذا الدور مما يؤثر على اختيار الناخب للمرأة ، كما ويؤثر على ثقة المرأة الأردنية بقدرتها على القيادة ، فتنسحب من موقعها ، بينما يظهراعلامنا الرجل بأنه الأقوى ، صاحب السلطة ، والأكفأ.
نحن نؤمن ان المعيقات الثقافية تحتل حيزاً اساسياً مما نعاني وسوف لن يحدث تغيير حقيقي ما لم يحدث حراك على هذا الصعيد مقروناً بتوجهات حقيقية نحو التغيير ضمن شراكة ما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات وهيئات ومراكز المجتمع الأهلي برؤى جديدة تحتل مفاهيم المساواة والحرية والديمقراطية والسلم الأهلي اولويات فيها ، لا ان نستمر بالمنهج المتبع والذي يتذرع دائما بخصوصية المجتمع ، فكل مجتمع له خصوصية ، لكن ليس على المرأة فقط ان تراعي وتتحمل وزر هذه الخصوصية غير المرئية حدودها في أغلب الأحيان، وأن تقدم التنازلات لتحافظ على هذه الخصوصية.
لينا جزراوي