مقالات حقوقية

مبروك جالك ……………….ولد

لم تنجح الاستراتيجيات السكانية والخطط التنموية في العالم العربي ، في الحد من النمو السكاني  حسب الخطط المرسومة ، لقد ساهمت في تخفيض معدل النمو السكاني بنسبة ضئيلة ، لكنها لم تساهم بشكل ملحوظ في تنمية المجتمعات المحلية، و لم تضع حدا لكثرة الانجاب ، خصوصا في المناطق المهمشة والأقل حظا.

ومن هنا ، أردت ، أن اشير الى  وجود علاقة  بين النمو السكاني المتزايد في العالم العربي ، والمهدد بانفجار سكاني  في العام 2050 حسب احصائية خاصة بالبنك الدولي، ببعض الثقافات والتقاليد السائدة والمنتشرة و التي تمجد كثرة الانجاب وتحد من تنظيمها.

فأكاد أجزم أن العلاقة وثيقة بين بعض الممارسات والسلوكات الاجتماعية ومن بينها كثرة الانجاب وتواتره ، و بعض العادات والتقاليد والثقافة التي تفرض على المرأة أن  تستهلك قدرتها  الانجابية ، حتى انتهاء عمرها الانجابي ، الذي يمتد من سن 15 عاما وحتى 49 عاما.

أن من  بعض أسباب تكرار الانجاب في العالم العربي برأيي ، هوانتشار ثقافة الاصرار على انجاب الاولاد الذكور ، لماذا ؟  لأن الذكر في الثقافة العربية يشكل امتداد للعائلة وامتدادا لنسب الأب ، فالعائلة في الغالب تطلق اسم الأب أو الجد على الوليد الذكر الأول ، وتغرق المرأة في حالة من اليأس والاحباط ان لم يسعفها حظها في انجاب الولد ، فيحملها المجتمع والمحيط المسؤولية  على هذا الاخفاق ، على الرغم من أن موضوع تحديد جنس الجنين لم  يعد خافيا على أحد ، فهو طبيا وعلميا ، يحدده الذكر.

ومن جهة أخرى نجد ، أن  هناك حرصا من المرأة أكثر من الرجل أحيانا على تكرار الانجاب ، حتى ولادة الولد ، لأن هذا هو السند وهو ضمانها لمستقبل آمن ، في ظل غياب دورفاعل  للدولة ومؤسسات  الأمان الاجتماعي ، التي تكفل حياة كريمة ، ومصدر دخل يقيها غدر الزمان ، كما أنه الذي سيحمي ارثها من أن يذهب للغرباء ، بالاضافة الى أن وجود الولد سيقلل من احتمالات تكرار زوجها ، تجربة الزواج . وتبدأ سلسلة المحاولات حتى تحقيق الهدف ، لتجد المرأة  والرجل أنفسهم مسؤولين عن عدد كبير من الأبناء ، تقع على عاتق رب الأسرة مهمة تأمين معيشتهم ، وعلى عاتق الدولة  مسؤولية تعليمهم وعلاجهم ورفاههم.

فالحجة منطقية ومقبولة مجتمعيا ، الرجل يريد ولدا يحمل اسمه أولا ، ويدير أعماله ثانيا، والمرأة ترغب بالولد الذي يقيها غدر الزمان أولا ، ويحفظ ارثها ثانيا ، والحقيقة أن هذه الرغبة نجدها متطابقة بين أبناء كافة الشرائح والطبقات الاجتماعية، غنيها وفقيرها، ففي الطبقات الاجتماعية الفقيرة ، تشكل العائلة الكبيرة ، وحدة اقتصادية واجتماعية وثقافية  ينسحب بها رب الأسرة من المجتمع الخارجي ، فيفرض  سلطاته وقوانينه الخاصة  على النساء والأبناء ، ويدفع بأبناءه نحو العمل في سن مبكرة ، فيصبح الولد هو الاستثمار لهذه العائلة ،بينما تكتفي العائلات الميسورة بعدد أقل من الأبناء ، لكنها لا تتنازل عن ضرورة وجود الولد ضمن أفرادها.

وأنا أعتقد هنا ، أن للدولة دورا هاما في التخفيف من حدة هذه الثقافة  وتأثيراتها السلبية على خطط التنمية فلا يمكننا أن ندخل عجلة التنمية بدون المرأة والرجل معا ، وكثرة الانجاب في عالمنا العربي مرتبطة ارتباطا وثيقا ببعض القوانين والتشريعات المعمول بها ، والتي ترفع من قيمة الذكر ، على حساب الأنثى ، حيث يجعل قانون الاحوال الشخصية من الاناث هما حقيقيا للعائلات العربية ، كما يميز قانون الارث بين الجنسين ، فتفقد المرأة التي لم تنجب ذكرا ميراث زوجها ، عدا المنصوص عليه شرعا ، ليذهب بأغلبه لذكور العائلة ،عداك عن الثقافة التي تجبر البنات على التنازل عن ارثهن لأخوانهن الذكور ، فتلهث المرأة وراء الانجاب لتجد نفسها تغوص في بحر من المسؤوليات  والالتزامات التي  تحيد بها عن الاهتمام بقضايا المجتمع وتنميته .

وتستمر العجلة بالدوران لتخرج لنا أجيال كمية لا نوعية .

فعندما نرغب بالنهوض  بالمجتمع  ، فنحن نعني النهوض بالمرأة والرجل معا ، فكيف تتطور المرأة وهي تحمل مسؤولية أسرة كبيرة الحجم ؟ ، ولنحقق أهداف التنمية علينا أن نعدل ابتداءا بعض القوانين والتشريعات المعمول بها ، و نرسم ثانيا استراتيجيات عملية لتغيير بعض المفاهيم والتقاليد الممارسة والتي  تضعف دور المرأة ، و ضرورة أن يكون للدولة  دورا فاعلا تحمي به مستقبل مواطنيها ما أمكن، وتؤمن لهم حدا مقبولا من الأمان الصحي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي ، فلا يدفع الخوف من المستقبل بالمرأة للانزواء داخل أروقة منزلها ، لتؤثر الانجاب  على الاهتمام بقضايا المجتمع والانسانية  ، وهي بذلك لها كل العذر ، في ظل غياب تام  لدور الدولة في حماية  شيخوختها.

فعندما نتحدث عن تحقيق المساواة بين المرأة والرجل  ،   فنحن لا نجلب أفكارا غريبة على مجتمعنا ، ولا نهدف الى هدم منظومتنا القيمية  التقليدية ، ففيها ما يفخر العربي بانتمائه لها ، لكنه قد آن الأوان  لتغيير بعض القيم والتقاليد والقوانين والممارسات التي تحد من تطورنا وتجمد ابداعنا، وتخسرنا طاقة نسائية بشرية ، تحمل الدولة والمجتمع أعباء ثقافة كثرة الانجاب التي تتبناها.

نحن ندعو للاستفادة ما أمكن من تجارب الدول المتقدمة ، التي كانت يوما تعيش في عصر الظلمات ، وأشرقت عليها شمسا جديدة ، لا تفرق في بث الدفء بين مواطنيها، فالحقوق واحدة ، والقوانين واحدة ،والثقافة التي ترفض أن تنتهك حقوق الانسان  (رجلا كان أم امرأة) واحدة.

فلم لا ندخل عجلة التنمية ، ونعمل على تعديل القوانين التي تمجد الذكورة على حساب الأنوثة ،  فالقوانين ستؤثر حتما على الثقافة الذكورية السائدة في المجتمع ، وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل  والتقليل من التمييز حسب الجنس سيساهم بلا أدنى شك في تخفيض معدل النمو السكاني وسينعكس على رفاهنا الاجتماعي وعلى حل الكثير من المشكلات الاجتماعية ، كالفقر والانحراف والجريمة  والعنف ، لأن اهتمام الدولة  والمجتمع سيصب في بناء أجيال نوعية لا كمية ، ويساهم بالانتقال بها نحو الحداثة والتحديث ، بمفهومه الواسع ، وليس تغيير الاطار الخارجي فقط.

لينا جميل جزراوي

مركز عمان لدراسات حقوق الانسان

وحدة المرأة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى