حرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان ممارسة خطيرة ويمكن تفاديها. ولأنه يسبب خطر الإصابة بمشاكلصحية على المديين القصير والطويل، فإنه يستدعي التزام الحكومة اللبنانية القانوني بحماية صحة مواطنيها.
يأتي حرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان نتيجة عدم معالجة الحكومة النفايات الصلبة بطريقة تلتزم القوانين البيئية والصحية التي من شأنها حماية الناس. يتعرّض الأطفال وكبار السن للخطر أكثر من غيرهم.
يتم الحرق في الهواء الطلق عندما تنهار خطط إدارة النفايات، مثلما حصل في بيروت وجبل لبنان خلال أزمة النفايات 2015 التي تكدّست خلالها النفايات في الشوارع. ولكن سببه أيضا أن الحكومة المركزية تولي الأولوية لبيروت وجبل لبنان في جمع النفايات – تنتج هاتان المنطقتان نصف نفايات لبنان المنزلية الصلبة فقط – في حين تترك البلديات الأخرى لتتدبر أمرها بنفسها دون أي دعم مالي أو تقني أو مراقبة.
قد يكون للحرق في الهواء الطلق آثار خطيرة على صحة السكان. وثّقت عدة دراسات علمية مخاطر الانبعاثات من المحارق في الهواء الطلق على صحة الإنسان. منها التعرّض لجزيئات دقيقة، الديوكسين، المركّبات العضوية المتطايرة، ومركبات كل من الهيدروكربون العطري متعدد الحلقات وثنائي الفينيل متعدد الكلور، التي ترتبط بأمراض القلب والسرطان وأمراض الجلد والربو وأمراض تنفسية. تتفاقم مخاطر حرق النفايات في الهواء الطلق لأنه في لبنان عادة لا يتم التخلّص بطريقة مناسبة من النفايات الصناعية والطبية، والتي قد تختلط بالنفايات الصلبة التي تنتجها البلديات.
وجدت “هيومن رايتس ووتش” أن الذين يسكنون بالقرب من أماكن الحرق المكشوفة يعانون من مشاكل صحية تتوافق مع التنشق المطوّل والمتكرر لدخان محارق النفايات. منها، مرض الانسداد الرئوي المزمن، السعال، التهابات الحلق، أمراض جلدية، والربو. في العديد من الحالات، وصف الذين تمت مقابلتهم علاقة زمنية بين حرق النفايات وأمراضهم؛ فقد أصيب بعضهم بالمرض بعد البدء بعمليات الحرق أو انتقالهم إلى أماكن يتم فيه الحرق. فيما قال آخرون إن عوارض مرضهم تدنّت بعدما أوقفت البلدية الحرق أو انتقلوا بعيدا عن مناطق الحرق.
بسبب آثاره المضرّة على الصحة، يستدعي حرق النفايات التزام لبنان بواجباته تجاه القانون الدولي لحقوق الإنسان. لبنان دولة عضو في “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، الذي يتطلب منه اتخاذ خطوات لتحقيق حق الإنسان “في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه”.
في حين تلعب عوامل أخرى دورا في هذه الأمراض، فإن نسبة تلوث الهواء من حرق النفايات في الهواء الطلق، العلاقة بين هذه الأمراض وفترات الحرق، والمقابلات مع أطباء وخبراء آخرين في الصحة العامة تدل على علاقة سببية بين تلوث الهواء من حرق النفايات وسوء الأوضاع الصحية في المجتمعات المحلية.
قال 10 أطباء لهيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أن المحارق المكشوفة تسبب أمراضا تنفسية. كما لاحظ أطباء في بيروت وضواحيها ارتفاعا في حالات الأمراض التنفسية في المناطق التي بدأت بحرق النفايات بعد أزمة إدارة النفايات في 2015.
شرح أشخاص يسكنون بالقرب من مكبات النفايات المكشوفة كيف أثّر حرق النفايات على أوجه حياتهم الأخرى: فلم يعد باستطاعتهم إمضاء وقت بالخارج، بدأوا يعانون من صعوبات في النوم بسبب تلوث الهواء، أو اضطروا إلى مغادرة منازلهم وقت الحرق. وأفاد بعض السكان أنهم اضطروا إلى الانتقال نهائيا إلى أماكن أخرى لتجنّب آثار الحرق المكشوف الصحية الممكنة.
وصفت ليلى، من سكان سن الفيل، إحدى ضواحي بيروت، تأثير حرق النفايات بالقرب من شقتها منذ صيف 2016، والذي كان لا يزال مستمرا حتى وقت إجراء المقابلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016:
أولا الرائحة. ثم يبدأ الدخان الأبيض بالتصاعد ويلف بنايتنا. يبدأ الحرق عادة في الليل ويستمر حتى الفجر. فأركض فورا إلى الشرفة لأُدخِل الملابس ثم أقفل جميع النوافذ والأبواب. ولكن الرائحة والدخان يبقيان. لا يمكننا تشغيل مكيف الهواء. لا يمكننا النوم. نبقى مستيقظين حتى
الصباح و[نشعر أننا] نختنق. حدث هذا الليلة الماضية، بدأ عند منتصف الليل. هذا لا يُحتمَل. حتى عندما أكون خارج المنطقة، يكون الدخان وكأنه لايزال في رئتيّ.
تكلمت الغالبية العظمى من السكان الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش عن آثار صحية ربطوها بمحارق النفايات المكشوفة وتنشق دخانها. قال 38 شخصا إنهم يعانون من أمراض تنفسية، منها مرض الانسداد الرئوي المزمن، السعال، التهاب الحلق، والربو. وبحسب العديد من المؤلفات العلمية، تتوافق هذه العوارض مع التعرّض لمحارق النفايات المكشوفة. سعى 32 شخصا إلى الحصول على العلاج الطبي لهذه الأمراض التنفسية وقال 2 منهم إن طبيبا أو مستشفى وصف لهما أقنعة أكسجين.
كما وثّقت هيومن رايتس ووتش 3 حالات تم الحرق خلالها بالقرب من مدارس. وفي إحداها، بالقرب من الناعمة، قال المسؤولون إن النفايات كانت تُرمى وتُحرق في الجهة المقابلة من الشارع على مدى 4 أيام خلال أكتوبر/تشرين الأول 2016، ما اضطرهم إلى اعتماد تدابير طارئة وإرسال الأطفال إلى منازلهم.
استخدمت هيومن رايتس ووتش طائرة من دون طيار فوق 3 مكبات كبيرة لأخذ صور جوية. في كل من المواقع الثلاثة، ظهرت في الصور آثار سوداء من عمليات حرق حديثة ورواسب رماد تشير إلى عمليات حرق سابقة.
بالإضافة إلى المخاوف الصحية المباشرة، قالت بعض الأُسر إن عدم اليقين مما إذا كانت المحارق ستسبب لهم مشاكل صحية أخطر، بما في ذلك السرطان، أثّر كثيرا على نفسيتهم. في حالة واحدة فقط قال المتحدث إن البلدية قدمت للأسرة معلومات عن مخاطر المحارق المكشوفة واحتياطات السلامة الواجب اتخاذها. في النتيجة، عبّر كثيرون عن خوفهم من مخاطر مجهولة والقلق حول التأثير المحتمل للمحارق المفتوحة على صحتهم وصحة أولادهم. كما عبّر الأهل عن إحباطهم بسبب عجزهم عن حماية أطفالهم من الآثار الصحية المحتملة للحرق.