“بس بدّي إبني يعيش مثل باقي الأردنية”

في الأردن، الطفل الذي يولد لأم أردنية وأب غير أردني لا يعتبر
قالت “سميرة”، وهي أم لأربعة أبناء غير مواطنين ومطلقة: ” ساعديني لكي أفهم. أنا أردنية. أعطي بلدي كل ما يُطلب مني تقديمه. أنا أستثمر فيه، أعمل فيه، ألتزم بالقانون، أدفع فواتيري. أفعل كل شيء مثل أي مواطن آخر. تماما مثل أي رجل. فلماذا لا تريد الدولة أن تعطيني حقوقي؟ لماذا لا تريد أن تعطيني كرامتي؟ لا نريد سوى أن نعيش. لأننا الآن لا نعيش [حياة طبيعية] نحن مهددون. نحن في خطر فيما يخص الطعام
والعلاج [الطبي] والعمل والمأوى”.
في 2014، قالت وزارة الداخلية الأردنية إن هناك أكثر من 355 ألف ابن وابنة غير أردنيين لأمهات أردنيات. غير المواطنين هؤلاء الذين يُشار إليهم عادة بمسمى “أبناء الاردنيات”، يعانون من قصور شديد في تحصيل الحقوق والخدمات الأساسية. وتقيد السلطات حقهم في العمل والتملك والسفر من الأردن والعودة إليه (حيث وُلد ويعيش الكثيرون منهم) وفي الحصول على التعليم والرعاية الصحية الحكوميَّين، بل وحتى قدرتهم على حيازة رخصة القيادة.
قال مصطفى الحمارنة، النائب البرلماني السابق والرئيس الحالي لـ “المجلس الاقتصادي والاجتماعي”، وهو هيئة استشارية حكومية: “تخلق الحكومة طبقة دنيا دائمة”، مشيرا إلى أن القيود القانونية بالأردن قد تحد قدرتهم على كسب الدخل وتجعل العائلات المتضررة مُعدمة.
فيما تُعزي العديد من ناشطات حقوق المرأة موقف الحكومة العنيد إلى قضية الثقافة الأبوية المترسخة، فإن مبررات الأردن المُعلنة لحرمان النساء من الحق في المعاملة أسوة بالرجال فيما يخص حصول الأبناء على الجنسية، تشمل اعتبارات سياسية وديمغرافية واقتصادية.
يستضيف الأردن أحد أكبر تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، وغالبية الأردنيات المتزوجات من مواطنين أجانب متزوجات من فلسطينيين غير حاصلين على الجنسية الأردنية ولهم أوضاع قانونية مختلفة في الأردن. لذا، فإن حجة الساسة والمسؤولين المحليين الأساسية ضد إلغاء هذه السياسة التمييزية هي الزعم أن إلغاء هذه القواعد يقوض جهود المبذولة لقيام الدول الفلسطينية ويغيّر التوازن الديمغرافي في الأردن.
هذه المبررات المُعلنة هي مبررات تمييزية واضحة؛ إذ لا تسري على الرجال الأردنيين الذين اختاروا الزواج من أجنبيات، وأغلب هؤلاء متزوجون من فلسطينيات أيضا. يسمح القانون للرجل الأردني بأن يتزوج حتى 4 نساء، أجنبيات أو أردنيات، وبأن تحصل زوجاته وأبناؤه على الجنسية. وفي حين يعتبر أبناء الرجال الأردنيين مواطنين منذ المولد، فعلى زوجاتهن الانتظار 3 إلى 5 سنوات قبل التقدم بطلب الجنسية.
توصلت هيئات حقوق الإنسان الدولية، وتشمل لجان الأمم المتحدة، مثل “لجنة حقوق الطفل”، “لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو)، و”اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، إلى أن قانون الجنسية الأردني تمييزي بطبيعته. في 2014، طالبت لجنة حقوق الطفل الأردن بمراجعة وتعديل القانون لـ “ضمان تمتع الأم الأردنية المتزوجة بغير أردني بحقهـا في منح جنسيتها لأطفالها على قدم المساواة مع الرجل ودون تمييز”.
بدلا من أن يكون الأردن نموذجا يُحتذى إقليميا، فهو متأخر عن عدة دول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا المجال، منها تونس، الجزائر، مصر، المغرب، واليمن، وهي جميعا تتيح المساواة للنساء والرجال في نقل الجنسية إلى الأبناء. وفي حالة العراق وموريتانيا، عندما يكون الأب أجنبيا، يُسمح للنساء بحصول أبنائهن على الجنسية فقط إذا كانوا قد وُلدوا داخل أراضي الدولة.
الأمل في التغيير
عام 2014، وإثر مفاوضات مع كتلة تشريعية برلمانية برئاسة النائب البرلماني وقتها مصطفى الحمارنة، شهدت مطالبات بالحقوق المدنية لأبناء الأردنيات، بدا أن السلطات مستعدة للاعتراف بأبناء الأردنيات من غير المواطنين كفئة محددة من المواطنين المستحقين للامتيازات غير المتاحة لغير الأردنيين الآخرين. أصدرت الحكومة قرارا يُفترض فيه تخفيف القيود على أبناء الأردنيات غير المواطنين في 6 مجالات: فرص العمل، التعليم الحكومي، الرعاية الصحية الحكومية، التملك، الاستثمار، واكتساب رخصة القيادة. كما نص قرار الحكومة على تفعيل بطاقة تعريفية أردنية خاصة بأ بناء الأردنيات من غير المواطنين. وصف القرار الإصلاحات الموعودة – والتي حتى عندما تطبق بالكامل ستبقي على نظام تمييزي واضح – بمسمى “التسهيلات”.
وخلال السنوات التالية على الإعلان، استمر المسؤولون الحكوميون والإعلام المحلي والدولي وبعض النواب البرلمانيين في استخدام مصطلحات “الحقوق المدنية” و”المزايا” و”التسهيلات” كمترادفات عند الإشارة إلى القرار، ما أدى بالنشطاء والأشخاص المتأثرين إلى الاعتقاد بأن الدولة ستعاملهم كأردنيين في المجالات المذكورة.
قالت “بشرى”، وهي أم لأربعة أبناء غير مواطنين عمرها 53 عاما ومطلقة: “عندما سمعنا النبأ فرحنا للغاية. شعرنا أن هناك بعض الأمل أخيرا”.
لكن فرحة بشرى وكثيرات مثلها كانت قصيرة. فعند التقدم بطلبات الحصول على البطاقات التعريفية الجديدة لأبناء الأردنيات، والتي تتيح الحصول على مزايا بستة مجالات مشمولة بالقرار، وجد عدد لا يستهان به من أبناء الأردنيات أنفسهم غير مستحقين لهذه البطاقات أو غير قادرين على الحصول عليها. لم يتمكن البعض من الحصول على قائمة طويلة من الوثائق اللازمة لتقديم الطلب، بما يشمل جوازات سفر الآباء الأجنبية، وتصاريح الإقامة وتصاريح العمل وشهادات الميلاد والموافقات الأمنية من هيئة الاستخبارات الأردنية النافذة، “دائرة المخابرات العامة”. لم يتمكن البعض الآخر ببساطة من تحمل التكاليف المطلوبة لتحصيل هذه الوثائق. وقد رفضت السلطات أيضا بعض الطلبات، على اعتبار أن قرار مجلس الوزراء يطالب الأمهات الأردنيات، اللواتي يجب أن يكفلن أبناءهن ويقدمن الطلبات بالنيابة عنهم، بأن يكنّ قد أقمن بصفة قانونية في الأردن لخمس سنوات على الأقل قبل تقديم الطلب؛ اعتبرت “اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة” هذا المطلب شكلا من أشكال التمييز ضد حقوق المواطنة وحرية التنقل للنساء الأردنيات.
وعود لم تتحقق
بحلول فبراير/شباط 2018، كانت السلطات قد أصدرت ما يربو قليلا عن الـ 72 ألف بطاقة تعريفية، أي لأقل من 20 بالمئة من عدد أبناء الأردنيات غير المواطنين، حسب التقديرات. حتى بالنسبة لمن حصلوا على البطاقات التعريفية، أفاد العديد بعدم حدوث تحسن ملموس على ظروفهم. فإلى حد بعيد، تستمر الهيئات الحكومية الأردنية في إخضاعهم لنفس القوانين والأنظمة الحاكمة لتقديم الخدمات إلى غير المواطنين.
قال من قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن الإجراءات المُرهقة لتجديد تصاريح الإقامة سنويا ما زالت مفروضة على أبناء الأردنيات، ويستمر من يحتاجون إلى تصاريح العمل في مواجهة عقبات قانونية وتنظيمية كبيرة تحول دون حصولهم على العمل الذين هم مؤهلون له لولا متطلبات التصاريح. قال آخرون إنهم نجحوا في بناء حياة عملية ناجحة رغم هذه القيود، لكنهم طوال الوقت عرضة لخسارة مكتسباتهم التي ربحوها بعناء بسبب حالة انعدام اليقين القانونية التي تهدد وظائفهم وتحد من قدرتهم على تغيير الوظائف.
لم تفد الأمهات الاردنيات للأبناء غير المواطنين عن حدوث تحسن سوى في ما يتعلق بالمستشفيات والمدارس الحكومية. فبعد وقت قصير على إصدار القرار الحكومي، عممت وزارة الصحة أنظمتها الداخلية التي تلزم المستشفيات الحكومية بمعاملة غير المواطنين من أبناء الأردنيات ممن ليس لديهم تأمين كما تعامل الأردني القادر (غير المؤمن) وفيما يخص التعليم، ذكر قرار الحكومة أن على المدارس معاملة أبناء الأردنيات غير المواطنين على قدم المساواة بالأطفال الأردنيين.
لكن في الحالتين، فإن من لم يتمكنوا من تحصيل البطاقات التعريفية أو الوفاء بمطلب إقامة الأم في الأردن 5 سنوات أصبحوا غير مستحقين للمزايا التي توعد بها هذه النصوص القانونية، وأفاد بعض الأبناء غير المواطنين بتسديد رسوم أعلى في المستشفيات العامة رغم إبرازهم البطاقات التعريفية التي تثبت وضعهم. في مطلع 2018، أكدت وزارة الصحة أن المؤهلين لتلقي معاملة الأردني القادر هم فقط الذين يبلغون سن 18 عاما، وهو شرط غير مذكور
سابقا في أنظمة الوزارة. ولم تحسّن “الإصلاحات” الموعودة في البداية تحصيل التعليم العالي، ما يعني أن أبناء الأردنيات من غير المواطنين كان عليهم سداد رسوم تعليم الطلاب الدوليين للدراسة بجامعات الأردن الحكومية. لكن في 2017، أعلنت وزارة التعليم العالي عن إصلاح محدود، إذ ذكرت أنه سيتوفر 150 مقعدا في الجامعات الحكومية لأبناء الأردنيات، بدعم من الحكومة. يستحق التقدم لهذه الأماكن من يحصلون على درجات عالية ولديهم بطاقات تعريفية.
رغم النصّ على مجالات التملك والاستثمار والحصول على رخصة القيادة في قرار الحكومة، لم تُحدث السلطات تغيرات تُذكر بهذه المجالات. تطالب بعض الهيئات الحكومية الآن ببطاقة التعريف إضافة إلى الوثائق التي كانت مطلوبة سابقا، ما يعني جدلا إقصاء الأبناء غير المواطنين الذين كان بإمكانهم تحصيل تلك الخدمات قبل “الإصلاحات”.
قالت “منال”، التي تقول إنها من أولى من قدمن طلبات حصول على بطاقات تعريفية لأبنائها الخمسة: “إنهم يخدعوننا. [البطاقات التعريفية] ما كانت غير خدعة لتخديرنا نحن النساء لفترة”. نظرا لعدم قدرتهم على الوفاء ببعض المتطلبات والشروط، فقد جعلت الأنظمة الجديدة أبناءها غير مؤهلين للحصول على البطاقات.
لا بديل للجنسية
نظرا لأن الإصلاحات الموعودة جاءت على هيئة قرار من مجلس الوزراء لا يحتاج إلى موافقة برلمانية، فالقرار خاضع لأهواء كل حكومة تأتي بعد الحكومة القائمة. ففي أي وقت، يمكن تعديل القرار أو تغييره تماما أو إلغاؤه، ما يعكس عدم كفايته كبديل لحقوق المواطنة الكاملة.
مع الحرمان من الإقامة الدائمة والتلقائية في بلد مواطنة الأم، أفاد أبناء الأردنيات من غير المواطنين بالتعرض لمعوقات لدى محاولة فتح حسابات مصرفية أو الحصول على خطوط هاتفية أو تسجيل حساب في شركة لتقديم خدمات الإنترنت. ويواجه الشباب صعوبات اجتماعية كبرى فيما يخص الزواج.
قالت منال: “عندي ابنتان متزوجتان من أردنيين. أبنائي هم المشكلة. فالصبية كأبنائي لا مستقبل لهم ولا فرصة للعمل ولا للزواج، ولا يمكنهم العيش كأبناء الناس الآخرين في هذا البلد. أتمنى لو كان باستطاعتي تزويج أبنائي إلى نساء أردنيات”.
“غيث” فلسطيني عمره 62 عاما من الضفة الغربية. بصفته مواطن أردني سابق نُزعت جنسيته بناء على قرار الأردن بـ “فك الارتباط” عن الضفة الغربية في 1988، سمح له الأردن بالحصول على جواز سفر أردني مؤقت دون رقم وطني، لكن حتى مع وجود الجواز الأردني فهو يواجه بعض المصاعب التي يواجهها الأجانب في الحصول على الخدمات الحكومية. ففي أغلب التعاملات الحكومية يُعامل كأجنبي. غيث متزوج من مواطنة أردنية وله منها 3 أبناء وابنة. يتعاطف مع تردد العائلات الأردنية في السماح لبناتهن بالزواج من غير أردنيين من أبناء الأردنيات، الذين سيورّثون نفس المشكلة لأبنائهم. قال: “عندما تصبح ابنتي مستعدة للزواج، لن أدعها تتزوج رجلا كأبنائي [من أبناء الأردنيات]”.
كل شخص غير مواطن قابلته هيومن رايتس ووتش عرّف نفسه بصفته أردني. لكنهم يتم تذكيرهم بشكل دائم بوضعهم كمواطنين أجانب، في تعاملاتهم مع الهيئات الحكومية. على سبيل المثال، فإن غير الأردنيين الوحيدين المسموح لهم بالتبرع بالدم في الأردن هم الفلسطينيون الذين لديهم جوازات سفر أردنية مؤقتة.
قالت هانية، وهي امرأة أردنية عمرها 51 عاما متزوجة من مصري: “إن احتجتُ إلى دم، لا يُمكن لابني منحه لي… أيُمكنك تصورُ ذلك؟”
في ظروف استثنائية فإن حرمان أبناء وبنات النساء الأردنيات من الحق في المواطنة على قدم المساواة بالغير قد يؤدي إلى عواقب مأساوية. عندما أخذت “إيمان” – المتزوجة من رجل سوري مقيم في الأردن – ابنها الأصغر إلى إدلب في سوريا للإشراف على زواجه من امرأة سورية في 2014، توقعت أن يعودوا جميعا إلى الأردن في ظرف شهر. عندما حاولوا العودة عن طريق أنطاكيا بتركيا، منع مسؤولو الخطوط الجوية ابنها وزوجته الجديدة من ركوب الطائرة إلى الأردن لأن ليس معهم تصريح من السلطات الأردنية بدخول البلاد. وبعد أكثر من عام، كانت إيمان ما زالت غير قادرة على إعادة ابنها إلى بلده، في ظل عدم قدرته هو وزوجته على تحمل تكاليف الانتظار في أنطاكيا. قرر ابنها وزوجته العودة إلى إدلب، حيث كانت الحرب الأهلية السورية آخذة بالتصاعد. في يوليو/تموز 2015، بعد أقل من شهر، مات بقذيفة هاون. ترك وراءه زوجته الحامل آنذاك.
تكفل المادة 6 من الدستور الأردني المساواة لجميع الأردنيين أمام القانون، وتنص على أنه “لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين”. كما أن على الأردن التزامات حقوقية دولية، تشمل ضمان معاملة النساء على قدم المساواة بالرجال فيما يخص الجنسية. في حين أن الأردن لا يتبنى في قوانينه تعريفا واضحا للتمييز، فبموجب القانون الدولي يُعرَّف التمييز بصفته المعاملة المختلفة المستندة بشكل مباشر أو غير مباشر إلى عدد من الأسباب المعروفة، والتي غرضها أو أثرها إلغاء أو تقويض الاعتراف بجميع الحقوق أو الحريات التي يتمتع بها جميع الأفراد أو يمارسونها على قدم المساواة. بناء على هذا التعريف، فإن قانون الجنسية الأردني يميّز بشكل مباشر على أساس النوع الاجتماعي. على الأردن إنهاء هذا التمييز القائم منذ زمن طويل بحق الأردنيات، وأن يعترف بحقهن في نقل الجنسية إلى أبنائهن على قدم المساواة بالرجال الأردنيين.