اليمن ـ قوات الأمن تداهم مستشفيات في عدن
(عدن) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن قوات أمن الدولة اليمنية تهدد الرعاية الصحية في عدن عن طريق الاعتقال القسري للجرحى من المسلحين المزعومين في المستشفيات، وتبادل النيران مع مسلحين حاولوا منع الاعتقالات، وضرب أفراد الطواقم الطبية. قامت إدارة أحد مستشفيات تلك المدينة الجنوبية بتعليق العمل به نتيجة لهذا.
تصف قوات الأمن في عدن هؤلاء المرضى الذين سعت إلى اعتقالهم بأنهم مشتبه بهم في جرائم خطيرة، تشمل الاعتداء على قوات أمن الدولة والسطو المسلح. وتربط بعض المصادر بين معظم هؤلاء المرضى الجرحى، إن لم يكن كلهم، وبين “الحراك الجنوبي”، وهو تحالف من الجماعات المطالبة بحكم ذاتي أكبر لليمن الجنوبي السابق أو استقلاله. قام مسلحون يؤيدون المتشددين المزعومين ويحمونهم بإذكاء نيران العنف بإطلاق النار على قوات أمن الدولة داخل حرم المستشفى.
قالت ليتا تايلر، باحثة أولى معنية باليمن في هيومن رايتس ووتش: “إطلاق أسلحة نارية في المستشفيات يعرض المرضى والعاملين لخطر جسيم ويهدد بتعطيل الرعاية الصحية في عدن. لقد أظهرت قوات الأمن وخصومها على حد سواء عدم اكتراث سافر بحياة البشر“.
دخلت قوات الأمن الحكومية مستشفيين في عدن خمس مرات على الأقل في 2012 لاعتقال مسلحين مزعومين بغير تصريح، على الرغم من تحذير الأطباء بحاجة المرضى إلى استمرار بقائهم بالمستشفى.
في 7 أكتوبر/تشرين الأول، زُعم أن قوات حكومية شبه عسكرية ضربت حراس المستشفى وأطلقت النار على رأس بائع فواكه في السادسة عشرة في أثناء تبادل للنيران مع مسلحين يحاولون منع اعتقال اثنين من المتشددين المزعومين يتلقيان العلاج من جراح طلقات نارية، بمستشفى النقيب في عدن.
قال أحد أقارب الفتى المصاب لـ هيومن رايتس ووتش في المستشفى بعد يومين: “لم يكن معه سلاح. كان يبيع الفاكهة ليس إلا. أصيب بالرصاص وهو ينحني لتفادي الرصاص”. قامت منظمة “أطباء بلا حدود” الإنسانية الدولية بتعليق العمل إلى أجل غير مسمى في مستشفاها بعدن، بعد معركة مشابهة بالرصاص في 27 سبتمبر/أيلول.
قامت قوات الأمن المركزي، وهي وحدة شبه عسكرية تابعة للدولة، بدور بارز في غارات المستشفيات، التي وقعت في مستشفى النقيب ومستشفى أطباء بلا حدود. تخضع قوات الأمن المركزي لقيادة يحيى صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي تخلى عن منصبه في فبراير/شباط بعد انتفاضة دامت سنة كاملة. في واقعة 7 أكتوبر/تشرين الأول بمستشفى النقيب، قامت قوات الأمن المركزي بإخراج مريض مصاب بجرح خطير من وحدة الرعاية المركزة بعد انتزاع أنابيب التصريف من جسمه، كما قال شاهدان وأحد كبار مسؤولي المستشفى لـ هيومن رايتس ووتش.
قال مسؤولون طبيون لـ هيومن رايتس ووتش إن كافة مستشفيات عدن تقريباً، فيما عدا النقيب، الآن ترفض قبول المرضى الذين قد يسببون حساسية سياسية، مخافة اعتداءات مشابهة.
في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش، وصف وحيد رشيد محافظ عدن الجرحى بأنهم “متشددون خطيرون“.
تقول مصادر محلية إن معظم المرضى الذين تبحث عنهم السلطات إن لم يكونوا جميعاً من أعضاء الحراك. تكون الحراك في عام 2007 للمطالبة بموارد أكبر لليمن الجنوبي، الذي كان دولة مستقلة حتى اتحد مع الشمال في 1990. يضم الحراك الكثير من الجماعات التي ترفض العنف، وإلى جوارها أيضاً فصائل انفصالية مسلحة. تكرر استخدام قوات أمن الدولة للقوة المفرطة والمميتة في أحيان كثيرة ضد تظاهرات الحراك السلمية. منذ انتفاضة 2011 وبوجه أخص منذ تخلى صالح عن السلطة، قام أعضاء مسلحون في الحراك بشن هجمات على قوات أمن الدولة وغيرها من الأهداف الحكومية، كما تقول السلطات الحكومية ومراقبون سياسيون مستقلون.
الحكومة اليمنية مسؤولة عن ضمان أمن المستشفيات وغيرها من المرافق الطبية. واتفاقاً مع المبادئ الأساسية للأمم المتحدة المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل موظفي إنفاذ القانون، يتعين على القوات الأمنية التي تتصرف بصفة إنفاذ القانون “أن تطبق، بقدر الإمكان، وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة والأسلحة النارية”. وحيثما استحال تجنب استخدام القوة، يتعين على القوات الأمنية “أن تمارس ضبط النفس في هذا الاستخدام، وأن تتصرف بالتناسب مع خطورة الجريمة والهدف المشروع المطلوب تحقيقه“.
لا يتمتع مرضى المستشفيات بحصانة من الاعتقال القانوني، إلا أنهم يحتفظون بحقهم في الرعاية الصحية كما ينص عليها القانون الدولي. والإخراج القسري للمصابين بجراح خطيرة من مستشفى، وتعريض أرواحهم أو صحتهم للخطر، ينتهك هذا الحق.
دعت هيومن رايتس ووتش السلطات اليمنية إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية المرضى والطواقم الطبية من الاستخدام المفرط للقوة والاعتقال التعسفي من قبل عناصر الأمن. قال المحافظ رشيد لـ هيومن رايتس ووتش إن الحكومة ملتزمة بحماية المرضى والطواقم الطبية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن المسلحين الذين يحاولون منع القوات الأمنية من تنفيذ الاعتقالات داخل المستشفيات يخاطرون بدورهم بأرواح المرضى والطواقم الطبية.
وقالت ليتا تايلر: “كائنة ما كانت أجندات المسلحين، لا ينبغي لهم تحويل المستشفيات إلى ساحات للرماية. وعلى الحكومة في الوقت نفسه، تقليص الخطر على المرضى والعاملين بالمستشفيات، والتوقف عن حرمان المتشددين المزعومين من حقهم في العلاج الطبي“.
لمعرفة تفاصيل الاعتداء، يرجى مواصلة القراءة أدناه.
الاعتداء على مستشفى النقيب
في الخامسة من صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول، داهم نحو 10 مسلحين من عناصر قوات الأمن المركزي مستشفى النقيب واعتقلوا بالقوة جريحين من المتشددين المزعومين، كما قال العاملين بالمستشفى ممن شهدوا الواقعة لـ هيومن رايتس ووتش. قالت قوات الأمن لمسؤولي المستشفى إن المريضين هاجما نقطة محلية لقوات الأمن المركزي قبل يومين. أحاط بالمستشفى نحو 20 عنصراً إضافياً من أجهزة أمنية مختلفة، كما قال العاملون بالمستشفى.
ضربت عناصر قوات الأمن المركزي اثنين من حراس المستشفى ببنادق الكلاشنيكوف الهجومية وبمحفة، فتسببوا في خلع بكتف أحد الحارسين، كما قال أفراد الطاقم. خطف عناصر قوات الأمن المركزي الهواتف الخلوية من المرضى والعاملين بالمستشفى، وانتزعوا خطوط الهاتف الأرضي حين حاول أفراد الطاقم الاتصال بمديري المستشفى، وهجموا على الغرف بحثاً عن المتشددين المزعومين، كما قالوا.
قال أحد العاملين بالمستشفى لـ هيومن رايتس ووتش: “كنا مرتعبين. كانوا يصيحون ويسبوننا ويسلطون بنادق الكلاشنيكوف على أي شخص في طريقهم“.
قال عاملون بالمستشفى إن مسلحين مرتبطين بالمتشددين المزعومين فتحوا النار على عناصر قوات الأمن المركزي من خارج المستشفى، فبدأوا معركة بالسلاح الناري. بعد يومين أطلع العاملون بالمستشفى هيومن رايتس ووتش على الثقوب الناتجة عن أربعة رصاصات في صيدلية الطابق الأرضي، وثقباً بوحدة الرعاية المركزة، وعدة ثقوب بواجهة المبنى، قالوا إنها نتجت عن معركة الأسلحة النارية.
أصابت إحدى الرصاصات صلاح أحمد عبد الله، البالغ من العمر 16 عاماً والذي كان يبيع الفاكهة أمام المستشفى. قال أفراد الطاقم الطبي إن الشهود أخبروهم بأن أحد عناصر قوات الأمن المركزي أطلق النار على الصبي وهو ينحني للاحتماء من النيران بين عربة الفاكهة الخاصة به وعربة عابرة. أصابت الرصاصة جمجمة عبد الله وخرجت من مؤخرة رأسه.
بعد يومين من إطلاق النار، شاهدت هيومن رايتس ووتش عبد الله في الرعاية المركزة بالمستشفى، عاجزاً عن التكلم. قال الأطباء إن الرصاصة أزالت بعض أنسجة دماغه.
أخرج عناصر قوات الأمن المركزي أحد المتشددين المزعومين من وحدة الرعاية المركزة بمستشفى النقيب حيث كان يتعافى من جراحة خضع لها إثر إصابته بالرصاص في الرئتين، حسب أقوال اثنين من العاملين بالمستشفى ممن شهدوا الواقعة. انتزع عناصر قوات الأمن المركزي الأنبوبين المسؤولين عن تصريف السوائل من رئتي المريض، متجاهلين الاحتجاجات المتكررة للطاقم الطبي، ثم أخذوه بالقوة في عربة إسعاف حكومية ليس بها طاقم طبي.
قامت قوات الأمن المركزي وغيرها من القوات الأمنية في مرات عديدة باعتقال متشددين ونشطاء مزعومين قسرياً منذ 2007، بمن فيهم أعضاء معروفين في الحراك، من مستشفى النقيب، بدون تصريح اعتقال وعلى الرغم من أوامر الأطباء، ويشمل هذا مرتين أخريين على الأقل في 2012، كما قال بعض أفراد الطاقم الطبي. في فبراير/شباط 2011، داهمت قوات أمنية ملثمة المستشفى واحتجزت أحد قادة الحراك، حسن باعوم، وابنه فواز. قامت الحكومة اليمنية السابقة باحتجاز الرجلين دون اتهام لمدة 10 أشهر، في حبس انفرادي بمعزل عن العالم الخارجي طوال نصف تلك المدة.
إطلاق النار في مستشفى أطباء بلا حدود
في 27 سبتمبر/أيلول اشتبكت قوات أمنية مع مسلحين يحاولون منع اعتقال اثنين من المتشددين المزعومين الخاضعين للعلاج الطبي، في مواجهة دامت 5 ساعات وشملت مرتين من تبادل النيران المطول، بمستشفى أطباء بلا حدود في عدن، كما قال شاهدان ومصدر حقق في الواقعة لـ هيومن رايتس ووتش.
دفع الاعتداء منظمة أطباء بلا حدود إلى إجلاء المرضى الـ24 جميعاً وإغلاق المستشفى في اليوم التالي. منذ الافتتاح في أبريل/نيسان، قدم مستشفى أطباء بلا حدود البالغ سعته 40 سريراً العلاج لمئات المرضى، بمن فيهم أعضاء الحراك، والقوات الحكومية، وضحايا الألغام الأرضية، والجرحى من سكان محافظة أبين القريبة، حيث تحارب الحكومة اليمنية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المرتكز في اليمن، بدعم أمريكي.
اتهمت القوات الأمنية المريضين بجرائم تشمل السطو المسلح. كان أحد المريضين يتعافى من جراحة في البطن بسبب طلقات نارية ويخضع لأوامر طبية بالبقاء في المستشفى لمدة 24 ساعة على الأقل.
في فترة ما بعد الظهر، دخلت عناصر من قوات الأمن المركزي، وقطاع المباحث المركزية، والأمن العام ـ قوة الشرطة النظامية ـ إلى مستشفى أطباء بلا حدود بدون تصاريح اعتقال، مطالبين العاملين بتسليم أحد الجريحين المشتبه بهما أو كليهما، كما قال شهود العيان. ضرب بعض عناصر القوة الأمنية اثنين من حراس المستشفى وهددوهما، كما قال الشهود.
في نحو السادسة مساءً، دخل ستة آخرون من عناصر قوات الأمن المركزي المستشفى لاعتقال المريضين، بينما كانت تنتظر بالخارج 4 سيارات من التعزيزات. بعد هذا بقليل، تجمع عند المستشفى مسلحون يؤيدون أحد المتشددين المزعومين أو كليهما وبدأوا في إطلاق النار على قوات الأمن المركزي التي كانت عندئذ على باب المستشفى. احتمى عناصر الأمن المركزي داخل المستشفى وبدأوا يردون النيران. دخلت ثلاث رصاصات إلى عنبر المستشفى وأصابت رصاصة واحدة مكتب المدير، كما قال الشهود.
قال أحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش: “كانت نيران الأسلحة تدخل المبنى من اتجاهين، وعلقنا نحن الذين بداخل المستشفى في المنتصف. احتمينا بإحدى الردهات، على أمل ألا تبلغنا الطلقات“.
جُرح أحد عناصر الأمن المركزي أثناء إطلاق النار وتم إسعافه داخل المستشفى مع تواصل معركة الرصاص، كما قال الشهود.
بعد عدة ساعات من المفاوضات، انسحبت قوات أمن الدولة والمسلحين، واعتقلت السلطات اليمنية الجريحين المنتمين إلى المتشددين المزعومين. نقلت القوات اليمنية المريض الذي كان قد خضع لتوه للجراحة بعربة إسعاف إلى المركز الطبي بسجن الأمن العام في عدن. في 4 أكتوبر/تشرين الأول، بعد أسبوع من إغلاق منظمة أطباء بلا حدود للمستشفى في أعقاب الحادث، حضر عناصر الأمن المركزي إلى مكتب أطباء بلا حدود في عدن بنفس المريض، قائلين إن حالته تدهورت وأنه بحاجة إلى عناية عاجلة لكن لا يوجد مستشفى يقبله.
قال أحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش: “كانت قوات الأمن تسأل، ألا يمكنكم مساعدته؟ ورد أفراد أطباء بلا حدود، لا يمكننا معالجته لأننا اضطررنا لإغلاق مستشفانا”. في النهاية نقلت السلطات المريض إلى مستشفى آخر.
في 18 يونيو/حزيران، داهمت قوات أمنية حكومية مستشفى أطباء بلا حدود لاعتقال متشدد مزعوم آخر كان يتعافى من جراحة بسبب طلق ناري، مما دفع المستشفى إلى تعليق العمل لمدة 3 أيام. كان جو التوتر سائداً بسبب العديد من مظاهرات الحراك في الأيام السابقة، وتفجير انتحاري في عدن في نفس اليوم قتل قائد الجيش اليمني في المنطقة الجنوبية، اللواء سالم علي قطان. أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مسؤوليته عن ذلك التفجير.
كانت القوات الأمنية تضم عناصر الأمن المركزي، الذين روعوا العاملين والمرضى وهم يطالبون بتسليم المتشدد المزعوم، كما قال الشهود. قال أحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش: “كانوا مدججين بالسلاح، ويتصرفون كالمجانين“.
تفاوضت منظمة أطباء بلا حدود في النهاية على نقل المتشدد المزعوم إلى مستشفى تابع للدولة في عربة إسعاف حكومية. في الطريق، نصب مؤيدو المريض كميناً لعربة الإسعاف وأخذوه وهربوا، كما قالت بعض المصادر لـ هيومن رايتس ووتش.